أسطورة من المطاط !
يمنات
ضياف البراق
أخذ دروسًا مكثفة في (التنمية البشرية) ليصبح بعدها كائنًا مثاليًا بلا حدود. تلك الدروس الرخوة جعلته فيلسوفًا عميقًا في كل شيء؛ يحب عمل الخير لدرجة الذوبان، ويتكلم الفصحى على الدوام. كل تنظيراته يعجنها بالفصحى، يتحدث إلى صاحب الباص بالفصحى، ومع صاحب البقالة أيضًا.
أخيرًا، أصبح أسطورة من المطاط!
لم يعد ذلك الإنسان العادي، السطحي، الذي عرفته يشع بالجمال والتواضع، ها هو يتألّه حتى في مشيته، يتأله بأنانية مفرطة كما تعبث الرأسمالية المريضة بشعوب العالم الفقيرة؛ ساعة يحتقر الفنون الشعبية؛ وساعة لا يصادق أولئك الذين يمضغون (القات) أو أولئك الذين هُمْ على علاقة بالتدخين.
طبعًا هذا الصديق كثير النقد عندما يتعلق الأمر بالتخلف!
وهو -أيضاح- يحب أن يبتذل نفسه حتى في أتفه الأمور؛ يمازح أطفال الحارة كثيرًا، يكره المرأة غير المحشمة، يكره قصيدة النثر التافهة؛ يحمل المجلات والكتب أينما ذهب، ويسمع الموسيقا طوال الوقت، ولا يستطيع أن ينام بدونها.
إنه يتعملق هنا وهناك، يتفلسف مع نفسه، يتفلسف في الشوارع، يتفلسف في المقهى وداخل الحمّام حتى. يتعالى كثيرًا بثقافته الدورانية، يكثِر من تمليع نفسه وسط الزملاء، ويتباهى بأنه الأفضل، فلا شريك له في عالم الأناقة والموضة.
صديقي هذا، قال لي، اليوم، إنه بات لا يطيق الحياة حين يخرج إلى الناس دون اِرتداء النظارات أو دون ربطة العنق (الكرافتة). ويضيف- مشيرًا إلى ذاته المنفوخة بالتفاهة:” الحياة تليق بالعقلاء”.
حملته تلك الدروس البسكويتية الناعمة على الارتقاء إلى الوحل؛ إذ صار ينزعج من الكلام العادي، يسخر من مظهري غير المرتب، ومن كلامي غير الفصيح، وينفر جدًا من كتاباتي التافهة (بحسب وصفه)؛ تلك الملوثة بالكلمات السطحية البذيئة.
إنه يسخر دومًا من الناس الأغبياء، ينصحني باهتمام شديد لأكون (مثله)؛ مرتبًا، رقيقًا، في المجتمع، وعميقًا في التفكير والكتابة؛ كما يحرّضني على مخاصمة الأصدقاء الفاشلين.
إنه يحب (أم كلثوم) دون غيرها، يقتدي بشخصية (إبراهيم الفقي) إلى حدٍّ كبير، يستنقص هذا ويجامل ذاك، ويدّعى بأنه يساري حداثي خالص بينما هو غارق في اليمين، وهكذا صار يذهلني هذا «السوبر مان».
إنه يعاني من خلل ما في الرؤية، ويفتقر إلى التوازن الطبيعي في النفس؛ لهذا هو مثير للشفقة مثل ذاك الرجل العنين الذي يفاخر برجولته العريضة ويعشق سلسلة طويلة من النساء الجميلات.
كم هو مسكين؛ إذ يريد ويحاول أن يصير إلهًا صغيرًا لكنه لم يستطع! المساحيق وحدها لا تكفي لتحقيق طموحه الكبير هذا.
المثالية المفرطة سرطان خَطِر يلتهم شخصية المرء بشكل أو بآخر، ويجعل هذا المرء يلهث في الخلف دائمًا.
البساطة هي كل شيء في نظر وسلوك المثقف الحقيقي، وقد كان فولتير يقول عن نفسه:” لستُ عميقًا، ولكني واضح على الدوام”.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.